دراسات فى العامية الدكتور عون الشريف قاسم .
صدرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب ،فى العام 1974م ،وقد برر الكاتب دراسته للعامية ، بأنها تؤدي للتقارب والتفاهم الشخصي بين الأمم العربية ،وكما قال ليس الغرض من هذه المجهودات ابرار العامية كبديل للعربية الفصحي ،ولكن الهدف الاساسي هو التعرف على اللهجة العامية بردها إلي أصولها وتحليل جذورها حتى نستطيع أن نعرف عن أنفسنا أكثر مما نعلمه الأن ..وهي أيضا تساعد تبيان فى ثقافة وفكر .المجمع السوداني بأعراقه وثقافته المتعددة والمتنوعة .ومعلوم أن الأزدواج اللغوي .لغة فصحى ولغة عامية هو من سمات اللغة العربية .قديمها وحديثها .وهذه الثنائية كما قال الدكتور عون الشريف قاسم ليست حديثة العهد .ولم تنشأ بخروج العرب فى جزيرتهم إلى الأقطار التى استقروا فيها بعد الإسلام بل هي ظاهرة قديمة كانت قائمة فى حياة العرب حتى قبل بروز هذه العربية الفصحى التى نشأت فى فترة متأخرة من الجاهلية الأخيرة تأثر عوامل حضارية .وثقافية معروفة فجاءت الفصحى خليطا من لهجات كثيرة مرهصة بانتقال العرب من مرحلة البداوة والترحال إلى مرحلة الحضارة والاستقرار .معبرة عن توحد فكري .وثقافي وديني واجتماعي بدأ ينتظم حياة العرب وبلغ غايته بظهور الإسلام وقصد الدكتور عون الشريف قاسم أن نشوء العامية يأتى من تأثير الحضارات والثقافات الأم عند اللغة الفصحى إلى هذه المناطق وهى تدل على أن اللغة العربية قابلة للتفاعل الحضاري الثقافي الجديد والأخذ من كل الحضارات والمعارف الجديدة بععنى أن إختلاط العرب بغيرهم من الشعوب والثقافات .كان سبيلا إلى إكساب الشخصية العربية أبعاد او سمات تتباين البيئات والأزمات ولا شك أن الأثر الفرعونى والقبطى سواء كان فى عادات الناس أو لغتهم أثر بالغ القديم ولم تأت مع تدفق موجات المهاجرين من الشمال فى العصور الحديثة .ولعل كثيرا من المصطلحات الخاصة بالنيل والزاعة من مخلفات هذه اللغات المصرية فى لغاتنا النوبية .فمثلا كلمة الاجواد المشهورة والتى تجمع على أجاويد .وتعنى من يتوسطون بين المتنازعين ويسعون لرأب الصدع قد يتبادر إلى الذهن أن أصلها الجود لأن يقوم بهذه المهمة لابد أن يكون كريم النفس وقد قال الحاردلو يمدح : بعرفك كنت تقوم فى حجازه وأجوادية والواقع أن الكلمة ليست من الجود فى شئ وإنما هي نوبية الأصل مكونة من مقطعين أولها :أج: بمعنى مختلف و :واد: بمعنى الفاصل والمعنى العام الذي يفصل بين المتنازعين .
وكما يقول الدكتور عون الشريف قاسم .فإن عامية السودان تضرب فى عمومها بسهم آخر فى التراث العربى القديم .وقد يتطلب دراسته أصل كلمة واحدة مثل كلمة البياح إلي الغوص البعيد فى أعماق أمهات المعاجم .فنحن حين نقول بيح البياح وبيح الفجر نعنى طلوع الفجر .وبعض أهل الغرب كالحمر يقولون .البواح فى مثل قول قول المغنية البواح .لنوم عيونى انزاح .وكل ذلك لقطة البواح وهي اسم علم للشمس عند العرب القدماء .
ومن الملاحظ جدا أن اتساع رقعة أرض السودان وتباعد أطرافه واختلاف بيئاته الجغرافية و الإنسانية يفتح المجال واسعا لتنوع اللهجات وتباين أساليب الكلام ويكفي أينظر الإنسان فى لهجات غرب السودان و خاصة كردفان ليتبين أثر البيئة فى تشكيل اللغة نطفا ومحتوى وشكلا ومن البديهي أن السودان كغيره من المناطق الإفريقية كان وما يزال يعج بمختلف اللغات واللهجات .ولا بد أن وسط السودان الذي يتحدث اللغة العربية كلغة أم كان قبل أنتشار العربية بحدث بلغات مختلفه مثله فى ذلك مثل بقبة أجراء القطر ..وقد كان دخول العرب فى السودان نقطة تحول خطيرة أحدثت هزة إنسانية ولغوية عنيفة ونتجت عن تعديلات بعيدة الغور فى كيان البلاد .
ولكن مدى تأثير هذه الهزة مرتبط إلي حد كبير بتحركات القبائل العربية ومناطق إستقرارها إذ أن موجة الفتح سرعان ما انحسرت عن الاطراف.
وتركزت فى الوسط الذي كان أقرب إلى بيئة العرب ونحن إذا أمعنا النظر فى لهجتنا العامة نستطيع أن نكشف أننا ما نزال نحتفظ بكثير من رواسب اللغات الميتة كالفرعونية والنو بية والزنجية والبجاوية والتى دخلت فى الإطار العربى للغة الاستعمال اليومي ..وحتى الكلمات النوبية الشائعة ألفاظ .الساقية. وادوات الزراعة مثل .الكوريق .والسندقيق .والسبلوقة .والوريق .والاورتى .وكذلك .النبرو .والشادوف.والكرو.والكرسي والقربر ..ومن النباتات العرديب .والماريق .والتبش .والحنقوق .والعاشميق ..إلخ
ومن الكلمات التبداوية البجاوية كلمة المرفعين .والبعشوم .والبغيب .والصقر .وكلمة العنقريب .والكركب .والفتدك.والدانةللشراب .والسكسك. والكرورية. والنصل أو حين نأخذ الشبال فى العرس .وفى مجال الاطعمة الدوف .والقنقر .والعنكوليب .ومن الألفاظ الفرعونية .القديمة مثل الكلمات النيلية كالدميرت .والسيمة .والسلباية .والريح المرسى الجنوبى .والطياب الشمالي عند النواتة ولفظة .الطورية.والأثر الفرعونى يدور على ألستنا كل يوم فى لقطة .شنو..وفى لفظة كانيمانى .والالفاظ الاروبية كثيرة فى العامية السودانية فمن الفارسية وصلتنا ألفاظ بعض الاطعمة كالبالوطة .والباذنجان .والكعك .والخشاف. والجزر والارنجة والزنجبيل والتماك والنشادر ومن اسماء الأداوت الطش والإبريق والبرواز والجزلان والتماك والجنزبير والدوباره والالفاظ اليونانية مثل اسماء الاطعمة الملوخيا البامية والترمسى والكرنب والكراوبا والبقدونس والادوات مثل الطاجن والكبسونة والاصطبل ..إلخ