بقلم/ د. محسن الصفار
درس سعيد الاقتصاد بشغف لأن لديه نبوغ فطري في هذه المادة وعلى الرغم من أن معدله في الثانوية كان يؤهله لدخول الطب أو الهندسة بكل سهولة إلا أنه قرر أن يدخل كلية الاقتصاد وهو ما أثار تعجب جميع أهله وأصدقائه !
تخرج سعيد من كلية الاقتصاد وحصل على شهادة الماجستير والدكتوراه بتفوق.. أثار دهشة أساتذته الذين عجزوا عن مجاراته في نبوغه في علم الاقتصاد ولكن على الرغم من كل هذا النبوغ لم يكن سعيد يستطيع أن يبرز مواهبه لأن النظام الاقتصادي والمصرفي في بلده يحكمه الروتين ، ولا يفسح المجال للنوابغ بأن يصلوا إلى أي مكان فبين الواسطة والمحسوبية والحسد والغيرة لا يجد أمثال سعيد مجالاً كي يرتقوا السلم الإداري والوظيفي .
وفي يوم من الأيام أرسل بحثاً إلى إحدى مجلات الاقتصاد الأمريكية فأعجبت المجلة بالبحث لدرجة أنها وجهت له دعوة على نفقتها لحضور مؤتمر اقتصادي في أمريكا..
وهناك وبعد أن قرأ بحثه ثارت عاصفة من التصفيق وانهالت عليه العروض من المؤسسات المالية الأمريكية للعمل لديها ولكنه كان متردداً لأنه لا يحب العيش في دولة غير عربية ويحلم بأن يستثمر موهبته وعلمه لتحسين الاقتصاد في أي بلد عربي وفي غمرة التهاني اقترب منه شخص ذو ملامح عربية وقال : ما شاء الله ، ما شاء الله يا أخ سعيد ، أنت فخر لكل عربي... فقال له : شكراً لك . من أي بلد أنت ؟ أجابه سعيد مازحاً : مادمنا في أمريكا فكلنا أمريكان .
لم يضحك الرجل وأعطاه بطاقته وقال له : أريدك أن تكلمني غداً كي أعرض عليك وظيفة مرموقة في البنك الذي أمتلكه في بلد عربي غني . أجاب سعيد : إن شاء الله . وفرح فهذه هي الفرصة التي كان يتمناها للعمل في مصرف استثماري وفي بلد عربي .
في اليوم التالي اتصل سعيد بالرقم وردت السكرتيرة فعرّف بنفسه وتفاجأ بأن السكرتيرة تعرفه فقالت له يجب أن تأتي إلى هنا خلال أسبوعين لإتمام إجراءات المقابلة والتعيين.. راجع سعيد سفارة تلك الدولة وأراهم فاكس الدعوة التي وصلت إليه وحصل على التأشيرة.. وسافر إلى ذلك البلد وراجع البنك والتقى بالمدراء والخبراء الذين كانوا جميعاً مبهورين بعبقريته ، وأوصى الجميع بأنه يجب أن يتم تعيينه على الفور ودون أي تأخير كمدير لعمليات البنك الاستثمارية .
خرج سعيد واستبشر خيراً خصوصاً أن المرتب والمزايا كانت تفوق خياله.. ذهب في اليوم التالي إلى دائرة شئون العاملين لإتمام إجراءات التعيين.. دخل إلى مكتب مدير شئون العاملين وسلّم عليه قائلاً : تحياتي يا سيدي.. أنا سعيد بأن أكون من ضمن فريقكم ، فأجابه : أهلاً بك ، مصرفنا بحاجة إلى الخبرات العالمية من أمثالك.. الرجاء تعبئة هذه الاستمارة وتعطيني نسخة عن جواز سفرك .
فعل سعيد ذلك وأخرج جواز سفره وسلّمه للمدير الذي ما إن رآه حتى استغرب وقال : لأ لأ.. ليس جوازك الأصلي بل الجواز الأمريكي لو سمحت ، لا أحمل جواز أمريكي ، جوازي الوحيد هو جواز بلدي.. ماذا ؟ أتريد أن تقول أنك لست مواطناً أمريكياً ؟.. لا و لله الحمد.!
قطب المدير جبينه وقال : لحظة واحدة لو سمحت وخرج من الغرفة وغاب حدود 10 دقائق ، ثم عاد إلى سعيد وقال : لا يمكننا تعيينك مديراً للعمليات فجوازك ليس أمريكياً أو أوروبياً أو حتى أسترالياً ! وما دخل جوازي بالموضوع ؟ هل تريد تعييني في بنك عربي أم ترشيحي لانتخابات الرئاسة الأمريكية ؟ لأ ولكن سياستنا هنا أن يكون المدراء جميعهم من الأمريكان والأوروبيين كي لا يقال عنا أن بنكنا ليست لديه كفاءات عالمية ، إذا كانت بنوك أمريكا نفسها تبحث عن الكفاءات العربية وقدمت لي أكبر بنوكها عروضاً للعمل لديها فكيف أكون دون مستواكم ؟ آسف لا يمكنني التحدث أكثر من هذا .
ولكن ولأن اللجنة أعجبت بمهاراتك يمكننا إعطائك وظيفة أمين صندوق.! وهو أعلى منصب يمكننا منحه لمواطن يحمل جواز بلدك.. هز سعيد رأسه أسفاً وقال : لا يا حبيبي احتفظ بوظيفتك لنفسك وأنا سأعود إلى أمريكا حيث المواهب تقيم بالخبرات والشهادات العلمية وليس بالجوازات .
وهكذا كان وعاد سعيد إلى أمريكا وقبل بعرض إحدى الشركات وحصل على الجنسية الأمريكية ، وبعد سنوات قليلة عاد إلى نفس البلد ونفس البنك بمرتب 5 مرات أعلى مما عرض عليه وقتها وتم تعيينه مديراً عاماً للبنك بصلاحيات مطلقة ، عندما دخل المدراء على سعيد في مكتبه كي يهنئوه بالمنصب ، وجدوا صورة كبيرة لجواز سفره الأمريكي معلقة على الجدار حيث يعلق المدراء عادة شهاداتهم العلمية ، خاطبهم سعيد وقال : لا تتعجبوا فهذه هي الشهادة العلمية التي تفوق شهادة الدكتوراه ، هي التي منحتني هذا المنصب وليست الدكتوراه التي أحملها !
وهذه ملاحظة من أخيكم عبدالمنعم حريشة: يوجد الكثير من أمثال سعيد في الدول الغربية امريكيا وكندا واوربا واستراليا ونيوزلاند وغيرها من الدول الأخرى التي تقدر العلم والعلماء ، أليس المسؤل الأول على أكبر مؤسسة علمية وهي وكالة الفضاء بامريكيا عربي من مصرالدكتور فاروق الباز ، وكذلك المسئول السابق للوكالة الطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي عربي من مصر ووووو.... وغيرهم كثير في عدة مجالات سواء كانت طبية وهندسية وصناعية وزراعية وووو .....
سؤالي أطرحه على المسئولين في الدول العربية:
إلى متى يُقدم الأجنبي الغربي على المواطن العربي في بلادنا العربية؟
ولماذا يعطى الأجنبي الغربي مرتب أربعة الى خمسة أضعاف ما يُعطى للمواطن العربي؟
حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فهل من تعليق وإضافة على هذا المقال الرائع وكذلك ملاحظتي.
وشكرا